Monday, December 22, 2008

إمرأة على مائدة نزار







بينما كان يتناول عشاءه فى إحدى مطاعم لندن الكبيرة تراءت له بفستانها الجميل المطرز الأحمر اللون .... لم
يفاجأ نزار قباني بها فكان يظنها إحدى المعجبات الحسان .... فنظر لها بعينيه الزرقاء و ابتسم ابتسامة باهتة ...
فدنت منه كأنها تعرفه حق المعرفة ...ثم اتخذت مقعدا على نفس المائدة التى يجلس عليها .... و حملقت فى وجهه
برهة .. و فى اندهاش سألها نزار : من أنت ؟ ... ردت : أنا شهرزاد ... أتيت لك من الشرق ... فامتلأ المكان
بالصمت للحظات .. ثم ابتسم نزار قائلا : شهرزاد الأساطير .... تلك المرأة الذكية التى حولت شهريار الملك
الطاغية سافك الدماء إلى رجل مهذب ...
- نعم .... أنا هي ...
- لو كنت أعلم ... أنك بهذا الجمال لكنت أنفرد لك بقصيدة أصور فيها جمالك الفتَّان هذا ... أنتي امرأة جديرة أن
يجلس بجوارك رجل أكثر من ألف ليلة وليلة ...
- احمر وجه شهرزاد فى حياء و قالت : أشكرك على تلك المجاملة ... ولكن دعنى أخبرك عن سبب مجيئي إليك ..
- رد نزار فى ثقة منقطعة النظير : لابد أنك معجبة بقصائدي و تودين لو أن أوقع لك على إحدى البطاقات
الفارغة كي تأخذيها كتذكار ...
- نعم أنا معجبة ولكن ليس هذا كل شيء ... فلم أجيء من بلاد الأساطير من أجل تذكار ... ولكن من أجل أن أفهم و تفهم جميع النساء .... فأنا رسولة أرسلني إياها نساء بلاد الأساطير فهن يردن أن يعرفوا المزيد عن شاعر المرأة والحرية .... فها أنا هنا كي أجرى معك حديث ... كما تسمونه فى زمانكم حديث صحفي ...
- حسنا ً و أنا موافق ... ما دامت النساء يريدون ذلك ...
- إذن فلنبدأ بالسؤال الأول : اعلم أنك قد ولدت فى دمشق ... فمن الطبيعى أن تكون طفولتك مليئة بالمد والجزر و التعلق و الإستغناء .... فكيف كنت ترى طفولتك ...
_ آه لقد أعدتينى إلى الوراء , و ذكرتينى بالماضى والذكريات الجميلة , فأنا ولدت في مارس 1923 في بيت
وسيع من منازل دمشق القديمة، والدي توفيق القباني،، عمل في الحركة الوطنية ووهب حياته وماله لها. تميز أبي بحساسية نادرة وبحبه للشعر ولكل ما هو جميل. ورثت الحس الفني المرهف عن عمى أبي خليل القباني الشاعر والمؤلف والملحن والممثل وباذر أول بذرة في نهضة المسرح المصري. امتازت طفولتي بحب عجيب للاكتشاف وتفكيك الأشياء وردها إلى
أجزائها ومطاردة الأشكال النادرة وتحطيم الجميل من الألعاب بحثا عن المجهول الأجمل. عنيت في بداية حياتي
بالرسم. فمن الخامسة إلى الثانية عشرة من عمري كنت أعيش في بحر من الألوان. أرسم على الأرض وعلى
الجدران ثم انتقلت بعدها إلى الموسيقى ولكن مشاكل الدراسة
الثانوية أبعدتني عن هذه الهواية
- رائع.... طفولتك توحي بنبوغ و موهبة فطرية حقيقية ... و لكنك بعد تخرجك وعملك بالسلك الدبلوماسي ... وعينت سفيراً لسوريا فى مصر وسفير الجمهورية العربية المتحدة ... فلماذا بعد تلك المكانة التى وصلت لها , ترك العمل الدبلوماسى ؟
- لقد تركت العمل الدبلوماسى لاننى قررت التفرغ التام للكتابة فرحلت إلى بيروت ذلك البلد الجميل و أنشأت دار نشر باسمي ... و تزوجت من بلقيس الراوي و قضيت فترة طويلة من عمري هناك ...
- هناك إشاعات وأقاويل جعلتك في نظر الجمهور شاعر ثوري منشغل بقضية المرأة فلماذا كل هذا الاهتمام بقضية المرأة ؟
- لست ثورياً .. ولكن كان لانتحار شقيقتي التي أجبرت على الزواج من رجل لم تحبه، أثر كبير في حياتي, قررت بعدها محاربة كل الأشياء التي تسببت في موتها ... فالحب في العالم العربي سجين و أنا أريد تحريره، أريد تحرير الحس و الجسد العربي بشعري .
..... ننتقل لنقطة أخرى ... لماذا تركت بيروت بعد أن نويت البقاء بها ؟ -
- لقد تركت بيروت بعد استشهاد زوجتي بلقيس فى انفجار السفارة العراقية ببيروت ... قد خلف هذا الحادث أثراً نفسيا ً بالغا ً على َّ ... قد رحلت عنى زوجتي وحبيبتي ... وقد رثوتها فى قصيدة تحمل اسمها ...
- يبدو أنك تحبها حب شديد ... رحمها الله ... فلننتقل إلى نقطة أخرى ... هل أثرت عليك جراءتك السياسة في قصائدك ؟
- من المؤكد قد أثرت علىَّ سياسيا ً .... وبالأخص قصيدة خبر وحشيش وقمر التي انتقدت فيها خمول المجتمع العربي ... قد أثارت ضدي عاصفة شديدة حتى أن طالب رجال الدين في سوريا بطردي من الخارجية وفصلي من العمل الدبلوماسي .
نظرت شهرزاد إلى الساعة الكبيرة المعلقة على الجدار المواجه لها ... و تلعثمت عن الأسئلة و قالت في ذعر : يا ويلى لقد تأخرت ... لا بد أن أذهب الآن ... قبل أن يلاحظ شهريار غيابي ... أودعك الآن و سأكمل معك الحديث لاحقاً ..ودَّعها نزار و سرعان ما اختفت ...


Monday, December 15, 2008

ترحال





تَعْلمينَ أننىْ أكْرَه الْلقاء

أَكْره التوددَ للنجوم ِ

كالبحرِ أطردُ اللآلئ القديمة

لأننى أكرهُ الإيابَ

أكره التعلقَ بالقديم ِ

كالبحَّار أتركُ فىْ

كلِ ميناءِ حبيبة

أتركُ بصمتَى فىْ كلِ ميدانِ

فىْ كلِ بلدة غريبة

لكننى دائما أعودُ وحدى

فعاشقُ المجهولِ

لا يقفْ حيثما أراد الآخرونْ

فكيفَ تسأليننى البقاءْ

تسأليننى أطواقَ الياسمينْ

و الرَحيْل خَلْفى, يَنتظرْ المَسيرْ

فلستُ حادى الجمالِ

يُركّبُ الغوانىَ هوادجَ النساءْ

بل أنا كالهلالِ

فِىْ كُلِ لَيْلة يَزْدادُ إحتدابا ً

فلا تُقَاربينى المَجْلِسَ

فلن تُطاولى النجومَ

مهما زدتى إقترابا ً

و لا تُرْهِقى الأناملَ

فِىْ كِتَاْبَةِ الرسائلْ

فأَناْ كالريحِ دَاْئِماً رَاْحلْ